الصفحة الرئيسية  متفرّقات

متفرّقات الــقــلـم الــحــــر: فكرة الديمقراطية وظهور الديمقراطيين في تونس 1956 - 2014

نشر في  13 جويلية 2016  (11:12)

بقلم الأستاذ عفيف البوني

كل الناشطين اليوم في السياسة بتونس يعلنون أنهم ديمقراطيون، عدا أدعياء بعض من دعاة حكم الخليفة والشريعة،  فهل حقا أن فكرة الديمقراطية التعددية وجدت وناضل من أجلها الديمقراطيون التونسيون منذ استقلال البلاد الى اليوم؟
تاريخ الخطاب السياسي المعارض للسلطة في بلادنا يشهد بغير ذلك، فما حدث من صراع بين قادة الحركة الوطنية في حدث اﻹستقلال كان صراعا بين زعماء على المناصب وإن اتخذ من التبريرات ما يبعد الشبهة عن ذلك ويعطي اﻹنطباع أنه صراع حول خيارات متعددة وممكنة، الصراع كان داخل الحزب الواحد وبين زعيمين ﻻيتسع كرسي الحكم لهما معا ﻷنهما غير ديمقراطيين مع أنها وطنيان.وحين تفرد بورقيبة وحزبه بالحكم ألحق كل القوى بسلطته وألغى كل تعبير فكري أو سياسي ﻻ يسبح بحمده.خير البشير بن أحمد ترك العمل في حكومة بورقيبة واعتزل آخرون السياسة، وخير أحمد التليلي الهروب بجلده الى الخارج حتى ﻻ يلحقه بورقيبة بما وقع لصالح بن يوسف، كانت شعارات المارقين عن بورقيبة تدعو للحد من اﻹستبداد واﻹنفراد بالسلطات الثلاث، وفقط الحزب الشيوعي آنذاك كان بفعل تأثره بزميله الفرنسي، يمزج دعوته للإشتراكية بطلبه بتعددية ترجع له الترخيص الذي كان له وسحب منه في 1963.
أول مرة وقع طرح فكرة اﻹنفتاح المحدود والمحسوب وبمعنىالحد من التفرد والاستبداد، قد كان من خﻻل أحمد المستيري وقلة من رفاقه عام 1971 وخاصة عندما أسسوا حركة اﻹشتراكيين الديمقراطيين، وحينها، أتذكر، أن معارضين آخرين كثيرين، كانوا، يتهمون المستيري بشبهة أنه ليبرالي وأنه ضد اﻹشتراكية..واستمرت فكرة الديمقرطية التعددية يتيمة يطرحها أفراد قليلون، إلى أن كان الخميس اﻷسود 1978 حيث تبلور للرأي العام أن الحد من اﻹستبداد ﻻيكون إﻻ بالديمقرطية والديمقراطيين في اطار تقنين التعددية، وحصل اﻹنفتاح واﻹقرار المبدئي بتعددية اﻷحزاب التي تختارها السلطة بنفسها وهو ما حصل في عهد محمد مزالي واستمر كذلك حتى الثورة.
والحاصل أن الحركة الطﻻبية التونسية المناضلة لم تطرح الديمقراطية في برامجها بل اقتصرت على رفض تدخل السلطة واستبدادها وأما حركة العامل التونسي  والجماعات اليسارية فقد رفضت اﻹستبداد واقتصرت على المسألة اﻹجتماعية واﻹشتراكية ونصرة فيتنام وحركات التحرر ، وأما القوميون أو الوحدويون، بكل حركاتهم فلم يطرحوا الديمقراطية، اﻻ أواخر ثمانينات ق 20 حيث كان همهم الوحدة العربية عبر الحزب الواحد أو عبر اﻹنقلاب أو الفوقية ، وأما المنخرطون في عقيدة
اﻹسلام السياسي، فقد قامت دعوتهم الى وقت قريب على تكفير الديمقرطية والتعددية، وبديلهم اﻷفضل استعادة حكم خليفة مسلم يطبق الحدود ويوحد المسلمين ويقيم دولة يصفونها باﻹسلامية.
من ﻻ يشاطرني في ما طرحته عليه أن يرجع الى ما نشرته الجرائد وما يوجد من ملفات لدى المحاكم وما هو منشور من كتب وأدبيات اﻷحزاب السياسية حتى يتأكد، مما أنا قد عايشته ودرسته.صحيح أن الجميع اليوم يصرحون أنهم ديمقراطيون، وهذا تقدم هام، لكن عليهم أن يقدموا نقدهم الذاتي عن تأخرهم في الماضي عن تبني فكرة الديمقراطية بل عن معاداتهم لها ولزمن طويل، وعليهم أن يسحبوا من سوق القراءة ما كتبوه ضد الديمقراطية والدولة المدنية، حتى تكون لهم مصداقية. لزمن طويل يقاس بعشرات السنوات ، يشهد تاريخنا المعاصر أن الدستوريين واليساريين واﻹشتراكيين والقوميين أو الوحدويين واﻹسلاميين، كلهم كانوا ضد الديمقراطية والتعددية.
لقد دخل هذا الخطاب الليبرالي الديمقراطي والتعددي في الثقافة السياسية التونسية منذ قيام حركة الديمقراطيين اﻹشتراكيين مع أحمد المستيري ومنذ تبلور فكرة ومنظمة الدفاع حقوق اﻹنسان، وتباعا بدأت أفكار وإيديولوجيات تعويض اﻹستبداد باستبداد آخر،أجمل منه برداء اسمه الوحدة العربية أو اﻹشتراكية أو إسلام الدعاة الحاكمين باسم الله، بدأت في التراجع وهي الى زوال ﻻمحالة. وما ﻻ يجب أﻻ يغيب عن صوابنا أن الذين عارضوا السلطة، في ما بين اﻹستقلال والثورة، لم يكونوا ، إﻻ القليل منهم، من الديمقراطيين، أما وقد صار كل من في الحكم ومن في المعارضة، يبالغون في وصف أنفسهم بأنهم ديمقراطيون، فعليهم أن ينجحوا في إنجاز الحكم الرشيد، فإن لم يفلحوا، عليهم ترك المجال لغيرهم،  وذلك أيضا من شيم الديمقراطيين، فإن لم ينجحوا ولم يتخلوا، سنخسر جميعا وسيكونون  هم أفرادا وأحزابا  من أكبر الخاسرين.